بين مجلسي النواب و المستشارين.. "الباطرونا" تنزل بثقلها لقبول تعديلات تناسب مصالحها في حكومة يقودها رجل أعمال

 بين مجلسي النواب و المستشارين.. "الباطرونا" تنزل بثقلها لقبول تعديلات تناسب مصالحها في حكومة يقودها رجل أعمال
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 4 دجنبر 2025 - 3:08

تحولت التعديلات المقبولة داخل مجلس المستشارين إلى مؤشر سياسي صارخ أعاد ترتيب موازين القوة بين الغرفتين في المسار التشريعي لمشروع قانون المالية لسنة 2026، فالحكومة التي تشبثت في مجلس النواب برفض أغلب التعديلات مكتفية بالموافقة على ثلاثين فقط من أصل 350 فتحت فجأة هامشا واسعا للنقاش في الغرفة الثانية، حيث قبلت 72 تعديلا من أصل 227.

وهذا التفاوت لم يعد يُقرأ كاختلاف في جودة المقترحات، بل كإعادة توزيع غير معلنة لدوائر النفوذ التشريعي، في لحظة مالية حساسة يفترض فيها أن ميزان الشرعية الانتخابية هو الذي يحدد مستوى تأثير كل غرفة.

الأرقام الصادرة عن لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين والتي اطلعت عليها "الصحيفة" تكشف بدقة خريطة هذا التحول، فمن بين التعديلات المقبولة، انتزع فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب "الباطرونا" 31 تعديلا وهو العدد نفسه الذي حصدته فرق الأغلبية مجتمعة.

 كما قبلت الحكومة أربعة تعديلات للاتحاد العام للشغالين، وتعديلين للاتحاد الوطني للشغل، وتعديلا واحدا لكل من الاتحاد المغربي للشغل والفريق الحركي، إضافة إلى تعديلين بادرت الحكومة إلى اقتراحهما بنفسها.

في المقابل، جرى رفض 67 تعديلا وسحب 85 آخر خلال النقاش، ما يعكس دينامية كثيفة داخل المستشارين، لا تشبه في شيء ما وقع في الغرفة الأولى.

وهذا التفاوت الرقمي حمل في طياته دلالات أثارت انزعاجا مكتوما داخل مجلس النواب، وهو ما أكده أحد النواب من الأغلبية في حديثه لـ "الصحيفة" وهو يقول: "نتلقى الرفض بالجملة، ثم نكتشف بعد يومين فقط أن الحكومة أصبحت أكثر استعدادا لتعديل النص حين ينتقل النقاش إلى الغرفة الثانية هذا ليس اختلافا في المقاربات التقنية، بل في نوع الفاعلين الذين تختار الحكومة الإصغاء إليهم"

 ويضيف بصوت متحسر : "الرسالة واضحة من يمتلك وزنا اقتصاديا يحصل على المعاملة التفضيلية، أما النواب فيُطلب منهم الانضباط والسكوت".

مصادر أخرى داخل المؤسسة التشريعية تحدثت عن "تفاوت صارخ" في مستوى تجاوب الوزراء، أحد النواب المعارضين يروي أن النقاش داخل مجلس النواب كان "حوار طرشان" بينما في المستشارين "تحولت الجلسة فجأة إلى ورشة تقنية مفتوحة، يقبل فيها الوزير ما كان يرفضه بقوة قبل أيام فقط" ويضيف: التعديلات المقبولة في المستشارين تُعيد توجيه البوصلة الضريبية والاستثمارية، وهذا يطرح سؤالا حول من يشارك فعليا في صياغة السياسة المالية للبلاد".

خلف هذه المعطيات الرقمية والتصريحات المتقاطعة تتشكل صورة أوسع هي أن مشروع قانون المالية أصبح مرآة تكشف التحولات الهادئة في هندسة السلطة المالية فالتعديلات التي قُبلت داخل المستشارين تمسّ بشكل مباشر البيئة الاستثمارية، تعبئة الموارد، الحوافز الضريبية، وإعادة توزيع الامتيازات القطاعية، وهي ملفات تُعدّ جوهرية بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين يتمتعون، داخل مجلس المستشارين بحضور منظم وممتد عبر شبكات المصالح المهنية.

 في المقابل، ركزت معظم تعديلات النواب على الجوانب الاجتماعية ودعم الفئات الهشة وإعادة توجيه الاعتمادات المالية، وهي مقترحات قوبلت بتحفظ حكومي واسع.

برلماني من المعارضة يلخّص الوضع قائلا"المشكل ليس في عدد التعديلات المقبولة، بل في مكان قبولها الحكومة تنقل النقاش إلى الفضاء الذي ترتاح فيه أكثر، حيث القوى الاقتصادية قادرة على فرض مقاربتها وهذه ليست مسألة دستورية فقط، بل مسألة توازن مصالح"، أما مصدر من الأغلبية فيضيف بنبرة أكثر واقعية"الحكومة تُفضّل العمل مع من تعتبرهم شركاء في تنفيذ النموذج التنموي، لا مع نواب يرفعون مطالب اجتماعية تتطلب اعتمادات إضافيةإنها براغماتية محضة، لكنها تطرح سؤالا مؤسسيا حول مكانة مجلس النواب في صياغة السياسات العمومية"

ومع أن الحكومة تقول إن تعديلات المستشارين كانت "أكثر دقة وملاءمة للالتزامات المالية" فإن التفسير الأكثر تداولا داخل البرلمان هو أن دائرة الفاعلين المؤثرين في القرار المالي أصبحت تتغير بصمت، وأن قانون المالية أكثر من أي نص آخريعكس هذا التحول، ولم يعد الأمر يتعلق فقط بتمرير ميزانية، بل بإدارة موازين القوة بين فاعلين ذوي مصالح مختلفة بعضهم يمتلك شرعية انتخابية، وبعضهم يمتلك شرعية اقتصادية لا تقل وزنا.

في المحصلة، يبدو أن الجدل الذي أثارته حصيلة التعديلات لا يخص فقط سنة 2026، بل يعكس إعادة تشكل عميقة في العلاقة بين الحكومة والبرلمان وإذا كانت الغرفة الأولى هي "مجلس الأمة"; فإن الغرفة الثانية باتت تتحول تدريجيا إلى "مجلس التأثير" وبين الشرعية والقدرة على الضغط، يبدو أن الحكومة التي يقودها رجل الاعمال عزيز أخنوش اختارت الطرف الذي يمنحها الاستقرار ويدعم أجندتها الاقتصادية أما النواب، فسيجدون أنفسهم مضطرين إلى إعادة تعريف دورهم داخل معادلة تشريعية باتت معقدة أكثر مما كان يظهر على السطح.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...